أكدت الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية في حديث خاص لـ "عُمان" على انتشار أمراض الدم الوراثية في السلطنة بصورة واسعة، وكشفت أن 48% من السكان يحملون جينا من جينات الثلاسيميا (أ) المتعلقة بالكم، وتبلغ نسبة حاملي بيتا ثلاسيميا في السلطنة حوالي 2-3% من إجمالي المواطنين بينما تبلغ نسبة المرضى 0.07% من المواطنين، أغلبهم بمحافظة مسقط وشمال الباطنة، أما أمراض الكيف أو التي يحدث بسببها تغيير في خلايا الدم الحمراء والتي من أهمها فقر الدم المنجلي، فقد أكدت الجمعية أن آخر دراسة ميدانية تؤكد أن نسبة حاملي المرض في السلطنة تبلغ 6% من الأطفال دون سن الخامسة بينما تبلغ نسبة المرضى 0.2% ويكثر انتشار هذا المرض في شمال الشرقية والداخلية ومسقط وجنوب الباطنة ومسندم، ويتعلق النوع الثالث من أمراض الدم الوراثية بنقص الأنزيمات كأنزيم الخميرة وهو منتشر بين الرجال بنسبة 25% و بين النساء بنسبة 11 إلى 12% ، ولكن لحسن الحظ أنه لا يؤثر بشكل كبير على المصابين بهذا المرض.
علاجات تخفيفية
وأكد البروفسور سلام بن سالم الكندي، استشاري أول أمراض الدم بمستشفى جامعة السلطان قابوس و نائب رئيسة مجلس إدارة الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية، أن العلاجات المتوفرة حاليا للأطفال المرضى بالأنيميا المنجلية هي علاجات تخفيفية ووقائية تقلل من حدوث نوبات الألم بالإضافة إلى تغيير نمط الحياة إلى نمط يتلاءم مع المرض ومسببات حدوث النوبات، أما بالنسبة لمرضى الثلاسيميا أشار إلى أنه يجب أخذ الدم بشكل مستمر والالتزام بتناول أدوية إزالة الحديد، وقال أن العلاج الوحيد لهذا المرض حاليا هو زراعة النخاع والعلاج الجيني مستقبلا، وأكد على أن الحل الأمثل للوقاية من هذه الأمراض ومنع انتشارها هو الفحص المبكر قبل الزواج.
أبحاث علمية
وأشار الكندي إلى أن هناك اهتماما واسعا بأمراض الدم الوراثية من شركات الأدوية والجامعات الأكاديمية بالبحوث في الوقت الحالي، وقال إن هناك عدة حلول ظهرت في العشر سنوات الأخيرة حصرها في نقطتين الأولى تتمثل في زراعة النخاع وهو الحل الوحيد الذي يقضي على المرضين الوراثيين فقر الدم المنجلي والثلاسيميا، وقال إن هناك تقدما جيدا في هذا المجال حيث أصبحت هذه العملية أكثر نجاحا وسلامة للمرضى ولا تشكل خطورة على حياتهم وقد زاد الإقبال عليها، وكذلك المراكز الصحية أصبحت على دراية بها أكثر من ذي قبل، والحل الآخر هو عملية العلاج بالجين، وأشار إلى أن هذا العلاج ما زال في بداية المشوار لكنه يخطو خطوات جيدة ويتأمل الأطباء من هذه العملية أن تأخذ حيزا كبيرا في المستقبل لعلاج هذه الأمراض.
علاج فقر الدم المنجلي
وأكد الكندي على اهتمام شركات الأدوية والمراكز الأكاديمية الكبير على مستوى العالم لإيجاد أدوية جديدة تساهم في علاج فقر الدم المنجلي، حيث أوضح أن السنوات الماضية شهدت ظهور 3 أدوية على الأقل تم إجازتها من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، الأول هو (الأنجلوتامين) وهو حمض أميني يبدو أنه يقلل من أزمات فقر الدم المنجلي وقد تم إجازته سنة 2017 ويبدو أنه مفيد لهؤلاء المرضى ويتم استخدامه مرتين باليوم، والثاني هو (الفوكسيليتور) وهو عبارة عن حبوب تساعد على ارتفاع معدل الهيموجلوبين لدى مرضى فقر الدم المنجلي، والدواء الثالث هو (الكريلوزوما) وهو عبارة عن حقنة تعطى للمريض مرة واحدة في الشهر للتقليل من الأزمات التي يعاني منها مرضى فقر الدم المنجلي، كما أكد الكندي كذلك على أن هناك أيضا أدوية جديدة لمرضى الثلاسيميا منها دواء (لوس باترسبت) الذي يفيد في رفع معدل الهيموجلوبين و التقليل من حاجة المريض إلى تسقية الدم، وقال إن هناك أيضا أدوية جديدة أخرى لمرضى الثلاسيميا العظمى يمكن أن يكون لها دور كبير في علاج المرضى مستقبلا.
الأطفال وأمراض الدم
وأوضحت الدكتورة ثريا بنت سيف الحوسنية، رئيسة مجلس إدارة الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية مدى معاناة الأطفال من أمراض الدم الوراثية، حيث أكدت أن أمراض الدم الوراثية تؤثر على الفرد والأسرة والمجتمع على حد سواء، فهي تؤثر صحيا على الفرد لأنها أمراض مزمنة تستدعي تواجد المصاب في المستشفيات بشكل متكرر، وأوضحت أن مرضى الثلاسيميا العظمى يحتاجون إلى تسقية الدم كل 3 أو 4 أسابيع مدى حياتهم إلاّ إذا خضعوا لعملية زراعة النخاع.
وأوضحت أن هذا الاحتياج الدائم للدم يسبب الكثير من المعاناة لدى المرضى وأسرهم بسبب عدم توفر الدم بصفة مستمرة إلا في بعض المستشفيات، وبالتالي يطلب من الأسرة التبرع بصفة متكررة ولكن للأسف لا يمكن الحصول على المتبرعين في فترات متقاربة لأن المتبرع يتبرع كل 3 أشهر فقط وبالتالي يتطلب جلب متبرعين من خارج الأسرة في حال لم يتوفر الدم داخل الأسرة، إضافة إلى معاناة المرضى من مشكلة الأدوية المزيلة للحديد المتراكم في الجسم نتيجة النقل المستمر للدم ومضاعفاتها والالتزام بأخذها بصفة مستمرة.
أما مرضى الأنيميا المنجلية قالت الحوسنية أنهم يصابون بنوبات ألم شديدة ومفاجئة بشكل متكرر، وتتطلب حالتهم البقاء في المستشفى لفترات محددة يحصلون خلالها على أدوية للألم والالتهابات التي يعانون منها بشكل متكرر، وشرحت أن هذين المرضين لهما العديد من المضاعفات على مختلف أجهزة الجسم، وهذا بدوره يؤثر سلبا على الحالة النفسية للمصاب بسبب الآلام التي يعاني منها وكثرة التردد على المستشفيات وعدم القدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، وقالت إن المضاعفات الصحية لأمراض الدم الوراثية تجعل العديد من المرضى غير قادرين على الاستمرار في الدراسة وغير قادرين على الحصول على وظائف ملائمة وذلك يؤثر على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، كما أن وجود أطفال مصابين بأمراض مزمنة وحاجتهم لمراجعة المستشفيات والتعامل مع العديد من المضاعفات يؤثر سلبا على وضع الأسرة ككل، حيث يشكل ضغطا كبيرا على الأبوين لحاجة هؤلاء الأطفال لعناية دائمة، كما أنه يتسبب في حالة من عدم الاستقرار لحاجة الأبوين بصفة مستمرة لمصاحبة أطفالهم المرضى خلال فترة إقامتهم في المستشفيات، وأضافت أن هناك حالات كثيرة لآباء وأمهات فقدوا وظائفهم لهذه الأسباب، وبالطبع هذا يؤثر بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي للأسرة.
منع انتشار
لدى سؤالنا الدكتورة ثريا الحوسنية عن طرق الحد من انتشار أمراض الدم الوراثية، أجابت في البداية أن أمراض الدم الوراثية هي أمراض وراثية بمعنى أنها تنتقل من الآباء إلى الأبناء وهي منتشرة ليس فقط في عمان وإنما في كثير من بلدان العالم والشرق الأوسط بما في ذلك منطقة الخليج كالمملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، وقالت: كون هذه الأمراض متوطنة في المنطقة وبطبيعة الحال الزواج بين الأقارب قد يكون من بين أسباب زيادة معدلات انتشارها خاصة في المجتمعات المنغلقة على نفسها، ولكن حاليا بما أن الكثير من الأشخاص قد يكونون حاملين لهذه الأمراض من مختلف المناطق فحتى الزواج من غير الأقارب قد يحمل خطورة ظهور المرض عند الأبناء، وأضافت أنه عندما يكون هناك اختلاط بين الشعوب من خلال التجارة أو من خلال اتصالات أخرى، قد يكون هذا أيضا عامل من عوامل نقل هذه الأمراض من منطقة إلى أخرى. وأردفت قائلة: فقر الدم المنجلي هو مرض منتشر في إفريقيا لذلك هناك العديد من الخصائص الموجودة في إفريقيا متواجدة أيضا في نوعية المرض الموجود لدينا في السلطنة، لذلك تؤكد الحوسنية عدم وجود علاقة لهذه الأمراض بالغذاء. وأضافت أن من أهم أسباب انتشار الأمراض الوراثية هي امتناع الناس عن إجراء الفحص ما قبل الزواج أو الفحص المبكر، والذي يمكّنهم من معرفة ما إذا كانوا حاملين لخصّيصة من الخصائص الوراثية المتعلقة بأمراض الدم الوراثية أم لا، حيث أوضحت أن الأشخاص الحاملين لأمراض الدم الوراثية لا يعانون من أي أعراض، ولذلك لا يمكن التعرف عليهم إلا من خلال الفحص المخصص للكشف عن وجود أي من أمراض الدم الوراثية داخل جسم الإنسان.
أهمية الفحص المبكر
وأكدت الحوسنية على أن الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية منذ إشهارها في العام 2009 تسعى إلى نشر الوعي لدى أفراد المجتمع بأمراض الدم الوراثية وكيفية انتشارها وأهمية الفحص الطبي المبكر للحد من انتشار هذه الأمراض، وذكرت أن الجمعية تقوم بعدد من الأنشطة في هذا الجانب أبرزها عقد اللقاءات التوعوية المباشرة والملتقيات التثقيفية بالتعاون مع عدد من المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة مثل الشركات والوزارات، تركز تلك اللقاءات على استهداف فئة الشباب، لذا تقوم الجمعية بزيارات للمدارس والجامعات والكليات في مختلف محافظات السلطنة، ولديها حافلة مخصصة للتوعية حصلت عليها الجمعية بدعم من شركة "اوكسيدنتال"، تستخدم الحافلة كمكتبة متنقلة تحمل الكثير من المعلومات المرئية والمقروءة عن أمراض الدم الوراثية وكيفية تناقل الجين المسؤول عنها، وأهمية الفحص الطبي المبكر، وقالت إن من ضمن أنشطة الجمعية أيضا تفعيل البرامج التقنية المتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي والتي باتت الوسيلة الأبرز للوصول إلى الفئات المستهدفة، وهو ما نفذته الجمعية من خلال نشر الكثير من البيانات حول الأمراض الوراثية، وإحياء الأيام العالمية المخصصة لها، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعرفة من خلال استقطاب أطباء متخصصين ومحاورتهم عبر برنامج الانستجرام بالإضافة إلى استضافة مرضى مصابين وتتبع قصص نجاحهم وتغلبهم على معيقات هذه الأمراض ليكونوا حافزا وقدوة لبقية المصابين.
وقالت الحوسنية إن لدى الجمعية العديد من الفرق التطوعية التابعة لها في مختلف محافظات السلطنة وهي تقوم بدورها في بث الوعي لدى مختلف شرائح المجتمع بأمراض الدم الوراثية وأهمية الفحص الطبي المبكر، وقالت إن هناك العديد من المبادرات التي تم تنفيذها من خلال هذه الفرق كان آخرها مبادرة فريق نزوى التابع للجمعية والذي أطلق مبادرة وعي وشراكة نحو جيل خالِ من أمراض الدم الوراثية لمدة سنتين بالتعاون مع مستشفى نزوى، والتي تهدف بشكل أساسي إلى نشر التوعية والتثقيف الصحي للتعريف بأهمية الفحص المبكر لأمراض الدم الوراثية بشكل عام وقبل الزواج بشكل خاص لجميع فئات المجتمع وكذلك التعريف بالجمعية وأهدافها ودورها داخل المجتمع، وأضافت أن هذه الفرق تقوم أيضا بالعديد من حملات التبرع بالدم لسد العجز الحاصل في بنوك الدم والتي زادت أثناء تفشي جائحة كوفيد-19، وأضافت أيضا أن الجمعية تقوم بالتعاون مع العديد من المختصين والجهات ذات العلاقة بتقديم تدريب لمختلف القطاعات والمختصين لتحسين نوعية الحياة للمرضى، وتقدم الجمعية بعض الأجهزة الطبية الخاصة بالتخلص من تراكم الحديد لمرضى الثلاسيميا وتعمل على متابعتهم لضمان التزامهم بالأدوية الخافضة لنسب الحديد وتقديم الشرح اللازم والمعونة في هذا الجانب.